مأساة الكحول السامة بمكناس... أين الخلل؟
مأساة الكحول السامة بمكناس... أين الخلل؟
محسن الأكرمين.
الموت المأساوي خطف مجوعة من المتشردين ذوي الإدمان على متنوع من المخدرات والمواد الكيماوية السامة بمكناس. اليوم لن نناقش الفاجعة انطلاقا من بلاغ الأمني الوطني بالمدينة، وإحصاء أعداد الموتى، وتوزيعهم حسب خريطة مواقع الموت، والقبض على من باعهم (الكحول / المطهر) الفاسد.
قصاصات الأخبار اختلفت في العدد المتزايد يوما بعد يوم، وقيل أن العدد وصل إلى رقم (؟؟). لكن الإعلان الأفظع حين تساقطت فئات من المجتمع (المقصي) تباعا، حتى باتت الظاهرة فَزِعة وحركت المصالح الأمنية بمكناس بالسرعة النهائية، والبحث عن السبب لتوقيف (السم القاتل). فقد كان القاسم المشترك بينهم تسمم حاد جراء تناول كحول (بِيرِيمِي)، ومن نفس المورد. فمن المؤسف أن مدينة مكناس باتت لا تذكر في الإعلام الوطني والصحافة إلا في الفواجع والمآسي وإجرام الاستثناء، فهل تستحق هذه المدينة التاريخية (الطيعة) أن تصبح مركزا لتناول (لَنْكُولْ) الرخيص، وتعاطي جميع أشكال المخدرات والمهلوسات الرخيصة (السيليسيون) و(الدوليو) !!
في مشهد مأساوي تُنقلُ الجثث تباعا نحو مستودع الأموات بمستشفى محمد الخامس، قد يكون الضحايا من هامش الشعب (الرخيص !!) ومن هوامش المدينة (الشَّاعْلَة) بنسب الجريمة وتعاطي المخدرات. نعم، هي بحق من مخلفات الدولة الاجتماعية غير العادلة. قد يكون الضحايا يحملون القاسم المشترك بالبيان أنهم من الأحياء الناقصة التجهيز، ومن هوامش المدينة التي تتحدث لُغَةَ (كَمْ مِنْ بَطَانَة طَاحَتْ هَذِهِ اللَّيْلَة). قد يكون كل الضحايا ممن همشهم المجتمع عُنوة، وساهم في قتلهم ( وهم أحياء)، والرمي بهم نحو سياسة الإدمان والموت.
جميع الموتى من ضحايا (الكحول السام)، والذين ألفوا على استهلاكه (كمشروب روحي) رخيص من أجل الانتشاء القاتل !! هم ضحايا سياسة مدينة برمتها، سياسة منظومة صحية لم تقدر على توفير الحماية الصحية لمواطني المدينة وتحقيق العلاجات من الإدمان وأشكاله لنفسية (مركز معالجة الإدمان). هم من ضحايا تفكك الأسرة والأزمة الأخلاقية وغياب القيم التربوية، ومنظومة الكفالة الاجتماعية من قبل الدولة (الراعية). هم من ضحايا التهميش والتحقير الاجتماعي الذي بات المجتمع بمكناس يمارسه بأريحية التصنيف حسب مستويات الطبقات الاجتماعية.
من حقارة الوضع الاجتماعي، بات الإدمان على المخدرات الرخيصة السامة مألوفا بالمدينة، وهذا ما يؤشر على أزمة عطالة وتعطيل مُزْمنة، وأزمة فقر مستطيل ويزيد. قال صديقي: الذُّلُ وَلَى عَايَشْ مَعَنَا بمكناس والمُدْمِنِينْ مَسَاكَنْ، وَلاَوْ تَيْشَرْبُو (الدوليو) و (لَنْكُولْ) المخصص عادة للتعقيم، ويَشَمُو (السيليسيون)، إنه الجهل وعَدمُ قُدْرة المدمنين ماديا حتى على اقتناء قنينة خمر من النوع الرخيص والرديء !!
هي الوضعية الاجتماعية الهشة بالمدينة، ونمو سياسة الإدمان القاتل لفئات من المواطنين، لا ذنب لهم غير غياب رعاية الدولة الاجتماعية الركيزة، وغياب مراكز تأهيل المدمنين. من سوء التقدير والعواقب إقدام الضحايا على تناول مواد كيماوية قاتلة، إنها تجارة الموت (المسكوت عنها) حتى الفواجع. تجارة يجب الحد منها بالتدخلات المستعجلة والاستباقية من طرف المصالح الأمنية، قبل وقوع المآسي.
من الخوف أن تصبح المدينة سوقا مفتوحا لبيع (السيليسيون) و(الدوليو) و(لَنْكٌولْ البِيِريمِي). من الخوف أن تبقى التنمية مُغيبةٌ عن المدينة في ظل ركود المنتوج السياسي، والخلافات المقيتة والفساد المتسلط. من الخوف أن نعتبر مدينة مكناس من المدن المنكوبة اجتماعيا وتنمويا، وتسير المدينة بخطوات التخلي عن التاريخ والإنسان والقيم.