مغرب المواطنة مدير النشر: خالد الرحامني / E-mail: info@mouatana.com
كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية
مغرب المواطنة2025-12-13 10:31:04
للمشاركة:

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه

السيد رئيس مؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الافريقية الزميل ALBAN BAGBINورئيس برلمان غانا،

السيدات والسادة الزملاء رؤساء المؤسسات التشريعية الوطنية في البلدان الافريقية الشقيقة،

السيدات والسادة البرلمانيون رؤساء وأعضاء الوفود،

السيدات والسادة،

يتشرف مجلس النواب في المملكة المغربية، مرة أخرى، باستضافة حدثٍ برلمانيٍ إفريقي من مستوى عالْ، واستقبالِ رؤساء وأعضاء البرلمانات الوطنية بالبلدان الإفريقية الشقيقة، الأعضاء في مؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية في سياقٍ إقليمِيٍّ وقاريٍّ ودولي ما أَحْوَجَنَا فيه إلى الحوار والإصغاء والتفاعل الإيجابي.

وأود في البداية أن أجدد الترحيب بكم على أرض المملكة المغربية، آملا في أن تشكل الدورة الثالثة للجمعية العمومية لمؤتمر الرؤساء خطوة أساسية على طريق ترسيخ مكانة هيأتنا قوةً اقتراحيةً، وإطارًا للتفكير الجماعي في حَالِ ومستقبلِ قارتنا، في إطار التكامل والانسجام مع أعمال ومبادرات باقي المنظمات البرلمانية الإفريقية متعددة الأطراف.

السيدات والسادة،

مهما تباينت مرجعياتنا، فإننا لا نختلف في شأن القضايا والمعضلات التي تتصدر اهتمامات قارتنا، شعوبًا ومؤسسات، وفي تشخيص التحديات المشتركة التي تواجهها. وإنه لدليل آخر على قوة ما يجمعنا وعلى ما ينبغي أن يوحدنا.

السيدات والسادة،

لا أحد يمكنه أن ينكر أن إفريقيا هي القارة التي تتحمل اليوم عبء أكبر عدد من النزاعات والأزمات والمعضلات. فعدد من بلدان القارة، تواجه الإرهاب الأعمى، الذي يأخذ أوجهً أكثر فظاعة في السياق الإفريقي: فهو مُدمِّر، ويدفع الملايين من البشر إلى النزوح واللجوء، ويوقف التنمية، ويُخْلي المدارس ويحرم أجيالا بكاملها من الحق في التَّعليم، ويدفع بها إلى الجهل البنيوي، ويقوض الديموقراطية ودولة المؤسسات، ويحرم ضحاياه من التواصل مع العالم، بل ويقطع أوصال المجتمعات.

ويزداد الإرهاب خطورة، في السياق الإفريقي عندما يتحالف مع الانفصال، من أجل تفكيك الدول وتقويض وحدتها الترابية وجعل حالة عدم الاستقرار وضعًا مستدامًا مسلما به.

واسمحوا لي، الزميلات والزملاء، أن أناشدكم اليوم من جديد لنكون صارمين في إدانة تحالف الإرهاب والانفصال، وكافة أشكال الجريمة المنظمة العابرة للحدود، وفي اتخاذ المواقف الصارمة من مدبريه ومموليه ومنفذيه.

إن الأمرَ يتعلق برهان الأمن الجماعي لبلدان القارة وشعوبها، وبالاستقرار، وهما عاملان حاسمان وشرطان ضروريان لأي تنمية وتقدم.

السيدات والسادة

من جهة أخرى، وفي مفارقة غريبة، تعد قارتنا الضحية الأولى لانعكاسات الاختلالات المناخية، تصحرًا وتدميرًا للغابات، وفياضانات جارفة، فيما أنها، وبالحقائق العلمية، لا تساهم، ولم تساهم، سوى بأقل من 4% من مجموع انبعاثات الغازات المسببة لاحترار الكوكب الأرضي التي يتسبب فيها النشاط البشري. ولست بحاجة إلى التذكير بتداعيات ذلك على استقرار السكان، وعلى مصادر العيش، وعلى جودة الحياة.

وتواجه بلداننا نتيجة لهذه العوامل وغيرها، ظاهرة الهجرة التي
هي بالأساس هجرة داخل القارة كما سبق لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، رائد الاتحاد الافريقي في مجال الهجرة، أن أكد على ذلك، إذْ أبرز جلالته أن أربعة من كل خمسة (4/5) مهاجرين يبقون داخل القارة. ويطوقنا هذا الاستنتاج بمسؤولية دحض الادعاءات المسيئة للهجرة الإفريقية وتصحيح التمثلات الخاطئة عنها.

ومن جهة أخرى، توجد قارتنا أمام تحديات استراتيجية أعمق تتمثل في كيفية ضمان أمنها الغذائي، في وقت يعاني ملايين الأفارقة من المجاعة المفرطة وسوء التغذية.

ومرة أخرى، نحن أمام مفارقة غريبة؛ إذ في الوقت الذي تتوفر فيه قارتنا على أكثر من 60% من أراضي الكرة الأرضية الصالحة للزراعة، وعلى مصادر مياه غنية، تضطر بلدان القارة إلى إنفاق أكثر من 100 مليار دولار سنويا لاستيراد 80% من المواد الغذائية الأولية التي تحتاجها. وإلى جانب ما يترتب عن ذلك من تبعية للخارج، فإن ثقل هذا الإنفاق على ميزانية الدول يحرم مواطني إفريقيا من تمويل خدمات اجتماعية وتجهيزات بالإمكان تمويلها من كلفة الاستيراد.

وفيما تتوفر قارتنا على مصادر تقليدية ومتجددة هائلة ومتنوعة لإنتاج الطاقة وتوفيرها للأفارقة أولًا، فإن حوالي نصف سكان القارة لايلجون إلى الكهرباء، مع تداعيات ذلك على جودة الحياة، والتمدرس واستعمال تكنولوجيا الاعلام والاتصال إلخ..

وتظل تحديات توفير الخدمات الاجتماعية من تعليم وتكوين، وصحة ورعاية اجتماعية، والتجهيزات الأساسية من طرق، وسكك حديدية، ووسائل نقل، وتدبير حضري، من أكبر المعضلات التي تواجه القارة، وتقف كوابح للتنمية، وتظل حائلا بين ملايين الأفارقة والحقوق والخدمات الأساسية.

وإزاء مجموع هذه التحديات ومظاهر الخصاص، علينا أن نعيد معًا طرح سؤال : ماهي جذور هذه المعضلات ؛ وأساسًا، ماهي المخارج التي يمكن أن نصوغها من موقعنا كبرلمانات وطنية وكنخب لتحويل هذه التحديات إلى فرص نجاح ؟

في البحث عن الجواب على هذين السؤالين، علينا أولا أن نستحضر أن قارتنا تتوفر على إمكانيات وموارد هائلة، سطحية وباطنية، من أراضي صالحة للزراعة غير مستغلة، ومياه عذبة يضيع الجزء الأكبر منها في البحر، ومعادن تعتبر اليوم استراتيجية في الصناعات والتكنولوجيات الجديدة والمستقبلية، ومحيطات وبحار هي خزانٌ للغذاء ولمواردَ ثمينة، ومجال لإقامة مشاريع سياحية، وفتح قنوات تنقل وتواصل بين أطراف القارة ومع العالم.

إن هذه الإمكانيات هي ما يجعل قارتنا اليوم في قلب تنافس دولي كبير من جانب مختلف القوى والمراكز الاقتصادية، وهذا دليل على أنها، بثرواتها الهائلة، وموقعها، توجد في قلب الجغرافيا السياسية الدولية، وعلى أنها قارة المستقبل. ومسؤولياتنا اليوم، كأفارقة هي تحويل هذه الإمكانيات إلى ثروات عبر مشاريع مهيكلة.

السيدات والسادة،

تحتاج قارتنا بالتأكيد، من أجل قلب المعادلات الحالية، أي تحويل الإمكانيات إلى ثروات، وتدارك سنوات من هدر التنمية إلى فُرص تقدم، إلى العمل الجماعي. وينبغي لتحقيق هذا المقصد النبيل توفر الإرادة السياسية الجماعية، والانتقال من تدبير الأزمات إلى تسويتها والوقاية منها. ويتعين بالأساس القطع مع عقليات الانفصال واستراتيجياته، ومع التدخل في الشؤون الداخلية للآخر، واحترام القواعد التي تشكل الحجر الأساس في النظام الدولي والعلاقات الدولية: أي سيادة الدول ووحدتها الترابية.

وكما نعلم جميعا، فإن إفريقيا لا تفتقر إلى المشاريع والتصورات والمبادرات، ولكنها تحتاج إلى التنفيذ العملي. فمنطقة التبادل الحر القاري الافريقية ZLECAF، مثلا تعتبر إطارًا قانونيا اتفاقيا قاريًّا كفيلا، في حالة تفعيلها على النحو المطلوب، بإطلاق ديناميات إقليمية وقارية كبرى في الاقتصاد والخدمات بالقارة.

وفيما تعتبر عدد من التكتلات الإقليمية في القارة واعدة من حيث المبادلات، فإن مبادرات نبيلة واعدة أطلقها صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، من قبيل مسلسل البلدان الإفريقية الأطلسية، والمبادرة الأطلسية، التي تتوخى تيسير ولوج دول الساحل التي لا تتوفر على منافذ بحرية، إلى المحيط الأطلسي، وأنبوب الغاز الأطلسي، كفيلة بتغيير وجه افريقيا وتجهيزها بالبنيات التحتية الاستراتيجية وتيسير ربطها مع العالم الخارجي، وجعل بلدانها متواصلة على طريق الازدهار الافريقي المشترك المأمول.

إننا بهذه المبادرات، ومنطقة التبادل الحر، والمنظومات الإقليمية في القارة إزاء مشاريع نبيلة كفيلة بتغيير وجه افريقيا، وإعمال الشراكة جنوب-جنوب، وشعار "إفريقيا للأفارقة"، إفريقيا المنفتحة على العالم الحريصة على سيادة بلدانها، والموظِّفة لثرواتها من أجل تقدمها وسعادة أبنائها وبناتها.

وعلينا أن ندرك أننا أمام أجيال إفريقية شابة، تنظر إلى الرخاء المحقق خارج القارة، في الشمال كما في الجنوب والغرب، وتتطلع إلى تحقيقه في بلدانها وإلى تحويل الحدود إلى فضاءات تبادل، وقنوات تواصل وازدهار مشترك، يوفر الشغل والدخل الضامنين للكرامة.

إننا لا نختلف، الزميلات والزملاء، في أن إفريقيا في حاجة إلى أبنائها. وعلينا أن نعتبر النمو الديموغرافي، وفتوة الهرم السكاني بالقارة فرصة، وأداة للتنمية، وسواعد منتجة، وعقول مفكرة ومخططة، ومهارات مبدعة.

وفي عالم سِمَتُهُ الانشطار، ونظام دولي متعدد المحاور المتقلبة، وعولمة مرتبكة، أمام قارتنا فرصة الصعود والتنمية، شريطة الوحدة، واستثمار ثروات القارة لفائدة بلدانها وشعوبها. فلا الفقر، ولا ضعف مؤشرات التنمية البشرية، ولا التبعية الغذائية والطاقية، قدرًا لا راد له. وإفريقيا التي نجحت في التخلص من الاستعمار، وأعطت للبشرية الكثير في مجال الثقافة والعلم والثروة، وعلمت البشرية معنى الصبر والمثابرة، قادرة على تحقيق نهضتها اليوم بالاتحاد والعمل الجماعي الصادق. ولنا في التجارب الدولية العديد من دروس الوحدة، وكيف تم تحويل مصانع الأسلحة المسخرة للحروب، وتغذية النزاعات، إلى مصانع لصناعة ما يفيد تقدم الإنسان، وإقامة المنشآت العابرة للحدود، وبناء السلم، وصناعة الأمل والحياة والعيش المشترك.

وبالتأكيد، فإن مواصلة ترسيخ الديموقراطية ودولة المؤسسات مع استحضار تاريخنا وتقاليدنا المؤسساتية وثقافتنا الإفريقية تعد من الخطوات الأساسية على هذا الطريق الذي ينبغي أن نمشي فيه موحدين، لا مشتتين وأن نخاطب، كمؤسسات برلمانية إفريقية، العالم بلغة واحدة جوهرها مصلحة إفريقيا، والعدالة لإفريقيا في مجموعة الرهانات الدولية.

وبالتأكيد أيضا، إننا كبرلمانات نمتلك هوامش أكبر للتحرك والترافع في هذا الأفق. لذلك سيكون مفيدا خلال يومين من أشغالنا، أن نؤسس على ما سبق أن اعتمدناه من وثائق في لقاءات مماثلة، وننتقل من التشخيص والتوافق على الأفكار إلى إعمالها على الأرض من موقعنا ومن باب اختصاصاتنا كمؤسسات تشريعية.

شكرا لكم ومرحبا بكم في بلدكم الثاني، المملكة المغربية.

كلمة السيد راشيد الطالبي العلمي رئيس مجلس النواب في افتتاح الدورة الثالثة للجمعية العامة لمؤتمر رؤساء المؤسسات التشريعية الإفريقية

 

مغرب المواطنة
للمشاركة: