جمعية تيغزى أطلس للتنمية: تتويج وطني يسلّط الضوء على قرية تطمح إلى استعادة أمجادها
جمعية تيغزى أطلس للتنمية: تتويج وطني يسلّط الضوء على قرية تطمح إلى استعادة أمجادها
متابعة: زايد الرفاعي _ أسامة أباحو
سطع اسم تيغزى مجددًا على الصعيد الوطني، بعد
أن احتلت تلميذات دار الطالبة تيغزى
المرتبة الأولى وطنياً في كرة الطائرة فتيات، وهو إنجاز استثنائي رفع راية القرية
عاليًا وأعادها إلى دائرة الضوء. إلى جانب قيمته الرياضية، فتح هذا التتويج الباب
أمام سؤال أعمق:
ما الذي يجعل قرية صغيرة في جبال الأطلس قادرة
على صنع نُخب تربوية ورياضية؟ ومن يقف خلف هذه الدينامية؟
قبل الإجابة، لا بد من العودة إلى ملامح القرية
نفسها…
تيغزى… القرية التي تجمع الجمال والجرح
تيغزى ليست مجرد نقطة على الخريطة؛ إنها قرية
أمازيغية صغيرة وشبه سياحية، بفضل مؤهلات طبيعية خلابة تسحر قاطنيها قبل زوارها.
وهي أيضًا قرية ذات ثقل اقتصادي مهم بفعل
ثروتها المنجمية، غير أن الشركات التي تعاقبت على استغلال هذه الثروة ما زالت
تشتغل بطرق بدائية، تزيدها هشاشة ثقافة الريع التي لم تتخلص منها المنطقة بعد، رغم
جهود المجتمع المدني والهيئات النقابية وغيورين من أبناء المنطقة.
ولسنوات طويلة، كانت تيغزى تُلقّب بـ*“سويسرا
الأطلس المتوسط”* لجمالها ونظافتها وبناياتها ذات القرميد الأحمر.
قرية منجمية سكنها الفرنسيون في السابق،
وزُوّدت بمسابح ومرافق عصرية جعلت منها وجهة سياحية وصحية وترفيهية.
لكن اليوم تغيّر وجه القرية؛ فقد انقلبت الصورة
رأسًا على عقب.
بتنا أمام تيغزى التي تغرق في سوء التدبير
المحلي، من تدهور نظافة الواجهة إلى تسويف مشاريع تنموية كبرى كان من شأنها أن
تقوي اقتصاد البلدة وتمنح شبابها فرصًا تقلص البطالة والفقر.
ومع ذلك، يبقى المجتمع المدني—وفي مقدمته جمعية
تيغزى أطلس للتنمية—أحد آخر الجدران الساندة التي تمنع القرية من الانهيار، وتحاول
استعادة جزء من مجدها القديم عبر مشاريع حقيقية على الأرض.
ومن هنا يُصبح التتويج الرياضي الأخير أكثر من
مجرد فوز… إنه مؤشر على أن الاستثمار في الإنسان ما زال قادرًا على إحياء المكان.
جمعية تيغزى أطلس للتنمية: قصة التأسيس،
الأهداف، والمسيرة التنموية
تيغزى أطلس للتنمية (ATAD) هي جمعية مجتمع مدني تعمل على تطوير الديناميات التنموية في قرية
تيغزى بإقليم خنيفرة ومحيطها، عبر تركيزها على الأبعاد التعليمية، الاجتماعية،
الثقافية، والبيئية. نشأت الجمعية كردّ فعل مباشر على فراغ اجتماعي تركته أنشطة
منجمية كانت تديرها شركة منجميّة محلية، حيث تخلّت الشركة لاحقًا عن مسؤولياتها
التنموية تجاه الساكنة.
لماذا تأسست الجمعية؟
جاءت الجمعية بعد إفلاس شركة المنجم أو تراجع
التزامات الشركة الجديدة تجاه الساكنة.
المبادرة بدأت من داخل المجتمع المحلي (أبناء
المنطقة) بدعم من الجالية المقيمة في الخارج ونشطاء جمعويين محليين.
الهدف: بناء نموذج تنموي محلي قادر على التفاعل
مع الإكراهات الجهوية (الهشاشة، نقص الخدمات، التعليم، الإدماج) وتعزيز قدرات
الساكنة من خلال العمل الجماعي والمسؤولية المدنية.
الأهداف والرؤية
جمعية تيغزى أطلس للتنمية تسعى إلى تحقيق
مجموعة من الأهداف التنموية المحورية:
تشجيع التمدرس في الوسط القروي ومحاربة الهدر
المدرسي.
تعزيز التكوين والتعليم الأولي، خصوصًا في
المناطق النائية.
تمكين المرأة والمساهمة في إدماجها الاقتصادي
والاجتماعي.
محاربة الأمية وتوفير فرص التعليم غير النظامي.
دعم الأشخاص في وضعية إعاقة وتسهيل إدماجهم في
الحياة الاقتصادية والاجتماعية.
تعزيز التضامن بين أفراد المجتمع المحلي،
وتنمية روح التعاون والمشاركة.
الحفاظ على البيئة وتنمية الموارد المحلية.
المشاريع والأنشطة التي تشتغل عليها الجمعية
جمعية تيغزى أطلس تنفّذ عددًا من المشاريع
الميدانية التي تركز على قطاعات متعددة، وإليك أبرزها:
1. مركز
إدماج الأشخاص في وضعية إعاقة (مريرت)
افتتحت الجمعية مركزًا مخصصًا للأطفال ذوي
الإعاقة بمدينة مريرت.
يقدم المركز خدمات شبه طبية، تربية، تأهيل نفسي
واجتماعي، ودعم لأسر الأطفال.
يضم فضاءات للتدريب والتعليم والترويض والتأهيل
الاجتماعي.
كما ينخرط في شراكات مع السلطات المحلية
والجمعيات الأخرى لتوسيع نطاق التكافل والدعم.
2. مركز
“الفرصة الثانية – الجيل الجديد” (موسم 2023/2024)
هو مشروع تعليمي مخصص لليافعين الذين انقطعوا
عن الدراسة (الفئة 13-18 سنة).
أُطلق موسمًا جديدًا باسم “مركز النهضة” بشعار
“من أجل مدرسة ذات جودة للجميع”.
هناك شراكة بين الجمعية والمديرية الإقليمية
للتربية الوطنية من أجل تسيير هذا المركز.
التكوين الممنوح يشمل دروسًا أكاديمية وتأهيل
حرفي (مثل الحلاقة، الطبخ، صناعة الحلويات) لإعداد المستفيدين لمستقبل مهني.
3. التعليم
ودور الطالب والطالبة
الجمعية تدير دور الطالب والطالبة في قرى مثل
تيغزى، أم الربيع، آيت عثمان، وبوشبل لتسهيل متابعة التلاميذ للدراسة في بيئة
ملائمة.
تقدم أيضًا التعليم الأولي في بعض الجماعات
كمريرت والحمام وأم الربيع.
4. النقل
المدرسي
مشروع نقل يومي يربط قرية تيغزى ومناطق مجاورة
مثل آيت عثمان، أجلموس، أمغاس، وتال بمريرت.
الهدف من النقل: تسهيل الوصول إلى المدارس
والحد من الهدر المدرسي الناتج عن بعد المؤسسات التعليمية.
5. الأنشطة
الثقافية والترافع
نظمت الجمعية لقاءات ثقافية لتعميق فهم التاريخ
المحلي، مثل الحديث عن “إغرمأوسار” كنموذج تراثي محلي.
كما انخرطت في حملات ترافع مدني، على سبيل
المثال حملة من أجل اعتماد إطار تشريعي خاص بالمناطق الجبلية، بالتعاون مع جمعيات
محلية ومدنية.
6. الاستجابة
لجائحة كورونا
خلال جائحة كوفيد-19، وضعت الجمعية “كل
إمكانياتها المادية والبشرية” رهن إشارة السلطات المحلية بإقليم خنيفرة لدعم
الجهود الاحترازية.
من بين مبادراتها: توفير أسرّة (ذكر عدد “ألف
سرير” في بعض المصادر) للمؤسسات الصحية أو السلطات حسب الحاجة.
الأطر الداخلية (“من يشتغل داخل الجمعية”)
الرئاسة: السيد محمد أيت خويا تم تجديد الثقة
فيه كرئيس للجمعية خلال الجمع العام العادي في فبراير 2025.
المكتب التنفيذي: يضم أعضاء متطوعين من أبناء
المنطقة، نشطاء محليين، ومتعاونين مع الجالية. (حسب تقارير الجمعية)
طاقم مركز الإعاقة: يتكون من مربّين، مختصّين
تربويّين، شفائيّن شبه طبيّين، جاهزين للعمل بشكل شبه أسبوعي لخدمة الأطفال وأسرهم.
أطر تربوية وتشغيلية في مركز الفرصة الثانية:
معلمين، مدربي تكوين مهني، ومدراء شراكة مع المديرية الإقليمية للتربية.
شركاء: الجمعية ترتبط بشركاء محليين وإنمائيين
مثل المديرية الإقليمية للتربية والتكوين، السلطات المحلية، ممولين مثل “مؤسسة
محمد الخامس للتضامن”.
الأثر والمستفيدون
في الموسم الدراسي 2023/2024، استفاد 2874
شخصًا من خدمات الجمعية في مجالات التعليم، التكوين، الإدماج الاجتماعي، والنقل
المدرسي.
مركز الإعاقة يوفّر بيئة متكاملة لتأهيل
الأطفال المعاقين ويشمل الدعم للعائلات، ما يعزز الإدماج الاجتماعي ويخفف من
العزلة.
مركز الفرصة الثانية يمنح للشباب المنقطعين عن
الدراسة “فرصة ثانية” لبناء مستقبل تربوي ومهني، ويُعدّهم لولوج سوق الشغل أو
تأسيس مشاريعهم.
من الناحية المجتمعية، الجمعية تُعدّ منبرا
للترافع المدني، خصوصاً في القضايا الخاصة بالمناطق الجبلية، ما يساهم في تقوية
صوت السكان في السياسات العمومية.
التحديات والرؤية المستقبلية
التحديات: رغم تقدمها، يواجه المركز الإدماج
بعض النقص في الإمكانيات (مادية، لوجيستية) حسب قول رئيس الجمعية.
الشراكات: الجمعية تعمل على تعزيز التعاون مع
مؤسسات محلية وجهوية من أجل دعم مشاريعها وتوسيع نطاقها.
التوسع: الرؤية المستقبلية تشمل توسيع خدمات
التكوين والدمج، وإطلاق مبادرات بيئية وتراثية أكثر، بالإضافة إلى تعميق التوعية
والترافع لحقوق الجبل وسكانه.
الموارد: تحتاج الجمعية لاستدامة التمويل، سواء
عبر منح أو شراكة مع مؤسسات وطنية ودولية، لضمان استمرارية مشاريعها التنموية.
جمعية تيغزى أطلس للتنمية تمثل نموذجًا قويًا
للعمل المدني المحلي الذي ينبع من الواقع الفعلي للساكنة ويستجيب لاحتياجاتها
التنموية. تأسّست من داخل المجتمع كردّ على انسحاب مسؤول اجتماعي من المنطقة،
لكنها تحولت إلى قوة تنموية حقيقية بفضل المشاريع التي تنفّذها — من التعليم إلى
التكوين، من الإدماج إلى الترافع. بقيادة متفانية وأطر ترابية، تستمر الجمعية في
ترسيخ التغيير والبناء على رؤيتها الطموحة نحو تنمية شاملة ومستدامة.







