مكناس تحرر فضاءاتها من فوضى التجارة العشوائية… ارتياح الساكنة وتحديات البحث عن حلول مستدامة
مكناس تحرر فضاءاتها من فوضى التجارة العشوائية… ارتياح الساكنة وتحديات البحث عن حلول مستدامة
مكناس – عبد الصمد تاج الدين
على مدى سنوات، عانت مدينة مكناس من فوضى التجارة العشوائية التي تمددت في أكثر من نقطة، شارع السكاكين المكتظ بـ"الفراشة". مشهد يومي اتسم بتراكم الأزبال، وضوضاء ممتدة إلى ساعات متأخرة، واحتلال للأرصفة، فضلاً عن عرقلة حركة السير وقطع الطرق أمام السيارات . اما السويقات العشوائية فحدث ولا حرج فسكان حي المنصور و برج مولاي عمر، عانو من وضعية أرهقت الحياة اليومية وشوهت صورة المدينة، وأضرت بتوازنها التجاري والحضري.
عقدة الملف: بين لقمة العيش والفوضى
كان الباعة الجائلون يعتبرون الأرصفة والساحات فضاءً لطلب الرزق، لكن انتشارهم العشوائي خلق توترا متزايدا بين التجار النظاميين والجائلين، وبين الساكنة والواقع المفروض عليها. تفاقم الأوضاع جعل السلطات المحلية أمام تحدي إعادة النظام دون المساس بحق هؤلاء في العيش الكريم.
التعبئة والحل المؤقت
الى ذلك ،باشرت السلطات المحلية، بتنسيق تام مع المجلس الجماعي والمصالح الأمنية، حملة واسعة لتحرير الملك العام. العملية اعتمدت مقاربة متدرجة، بدأت بالحوار والتوعية، ثم انتقلت إلى التدخل الميداني المنظم. الهدف كان استعادة النظام والانسياب في شوارع المدينة.
ولم تقتصر العملية على الإجلاء، بل جرى تجميع الباعة مؤقتا في فضاءات منظمة، في انتظار حلول أكثر استدامة، مثل أسواق نموذجية أو مشاريع بديلة تحفظ كرامة هذه الفئة وتدمجها في الدورة الاقتصادية.
تجربة شارع السكاكين: المجمع التجاري الجميلية
في إطار أشغال إعادة تأهيل المدينة العتيقة، شمل التحرير أيضا باعة شارع السكاكين. وقد تم تجميعهم داخل المجمع التجاري الجميلية، حيث وجدوا فضاءً منظما لمزاولة أنشطتهم التجارية باربحية .
أحد الباعة صرح قائلا:
"كنا نعاني في الشارع من الضيق والمطاردات والازدحام، أما الآن فنشتغل في ظروف أفضل، والزبناء يقصدوننا بسهولة."
هذه التجربة قدمت نموذجا عمليا مكن من تحويل إشكالية "الفراشة" إلى فرصة لإعطاء صورة حضارية عن التجارة بالمدينة.
تصريحات المسؤولين
مسؤول ترابي أوضح للجريدة:
"تحرير الملك العام لم يكن خيارا أمنيا فقط، بل ضرورة لحماية الساكنة وتنظيم المجال. نحن واعون أن الملف اجتماعي بالأساس، لذلك وفرنا بدائل مؤقتة حتى لا يترك الباعة في الشارع."
من جانبه، أكد عباس لمغاري رئيس جماعة مكناس أن المجلس الجماعي بصدد إعداد برامج لخلق فضاءات تجارية بديلة، مشددا على أن النجاح لن يتحقق إلا عبر تعاون الجميع، بما في ذلك الباعة أنفسهم.
صبر الساكنة وارتياحهم
سكان سويقة المنصور وبرج مولاي عمر عبروا عن ارتياحهم بعد التحرير. تقول عائشة ،إحدى ساكنات المنصور :
"أخيرا استرجعنا الهدوء والنظافة. لم نعد نستيقظ على الضجيج ولا نعاني من صعوبة المرور. نتمنى فقط أن يستمر التنظيم وألا يعود الوضع كما كان."
آخرون من حي برج مولاي عمر رأوا أن الخطوة إيجابية لكنها تحتاج لمواكبة وحلول دائمة، حتى لا تعود الفوضى من جديد.
الخاتمة
أعادت عملية تحرير الملك العام بمكناس شيئا من النظام والسكينة، ومنحت الأحياء المتضررة نفسا جديدا. غير أن التحدي الحقيقي يبقى في ضمان حلول مستدامة، توازن بين حق الساكنة في بيئة منظمة وحق الباعة في العيش الكريم.
وتبرز تجربة المجمع التجاري الجميلية، التي استقبلت باعة شارع السكاكين، كنموذج ناجح يمكن البناء عليه، لتصبح مكناس مختبرا لسياسة حضرية وطنية تدمج الاقتصاد غير المهيكل في مسار التنمية المنظمة.











