حوار مع الحقوقي عبد الرحمان بندياب حول العقوبات البديلة
حوار مع الحقوقي عبد الرحمان بندياب حول العقوبات البديلة
تطرح العقوبات البديلة كخيار إصلاحي جديد في المنظومة الجنائية المغربية،
نقاشا واسعا حول جدواها وأثرها على المحكوم عليهم والمجتمع. فهي تسعى إلى التوفيق
بين الردع والإصلاح، والحد من الاكتظاظ داخل السجون، وتخفيف الأعباء المالية على
الدولة، إضافة إلى تقليص الوصم الاجتماعي الذي يلاحق السجين وأسرته.
في هذا الحوار مع الحقوقي عبد الرحمان بندياب، رئيس المكتب التنفيذي
للتحالف المدني لحقوق الإنسان، نتوقف عند فلسفة هذه العقوبات وأهدافها، والأرقام
الصادمة للاكتظاظ السجني، والتحديات التي تعيق تنزيلها، وكذا رهانات التنسيق
المؤسساتي لتفادي تحولها إلى مجرد نصوص دون أثر واقعي.
سؤال: بداية، كيف يقيّم الحقوقيون عموما إدراج العقوبات البديلة في
المنظومة القضائية المغربية؟
عبد الرحمان بندياب: من منظور حقوقي، العقوبات البديلة تمثل خطوة نوعية نحو
عدالة أكثر إنسانية. فهي لا تقتصر على كونها آلية قانونية جديدة، بل تعكس فلسفة
قائمة على التوازن بين الردع والإصلاح، ومنح المحكوم عليهم فرصة ثانية للاندماج في
المجتمع، خصوصا في قضايا الجنح البسيطة. فالسجن غالبا لا يحقق الردع، بل ينتج
التهميش والإقصاء، بينما البدائل العقابية تفتح أفقا للتأهيل والإصلاح.
سؤال: ما أبرز الأهداف التي يمكن أن تحققها هذه المقاربة الجديدة؟
بندياب: الأهداف متعددة، وقد سبق للتحالف المدني لحقوق الإنسان أن أكد عليها
خلال لقاءات ودورات تكوينية نظمها بشراكة مع وزارة العدل. من أهمها:تخفيف الاكتظاظ
داخل السجون،ضمان معاقبة عادلة تراعي كرامة المحكوم عليه،إعادة الإدماج الأسري
والاجتماعي والمهني للمحكوم،تقليص الوصم الاجتماعي الذي يلاحق السجين،تخفيف الضغط
المالي والإداري على الدولة،توجيه العقوبة نحو التربية والتقويم بدل الاقتصار على
العقاب والحد من حالات العود إلى الجريمة عبر إشراك المحكوم في برامج نفع عام أو
مراقبة قضائية.
سؤال: رغم هذه الأهداف، تشير الأرقام الرسمية إلى استمرار ارتفاع أعداد
النزلاء. كيف تنظرون إلى هذه الظاهرة؟
بندياب: الأرقام مقلقة بالفعل. فقد سجلت المندوبية العامة لإدارة السجون حوالي
97.204 نزيلاً سنة 2022 ، و99.000 سنة 2023، لتصل إلى 105.094 نزيلا سنة 2024. هذا
المعدل يضع المغرب في خانة مرتفعة تصل إلى 251 سجينا لكل 100 ألف نسمة، مقارنة مع
56 بالنرويج و67 بألمانيا و74 بالسويد ،هذه المعطيات تؤكد أن الحاجة أصبحت
ملحة اكثر من اي وقت مضى لتفعيل العقوبات البديلة بشكل أوسع.
سؤال: إلى جانب الاكتظاظ، ما هي الكلفة المالية التي تتحملها الدولة
بسبب السجون؟
بندياب: الكلفة اليومية لإيواء كل سجين تناهز 100 درهم، وهو ما يمثل عبئا
ثقيلا على الميزانية العامة. لذلك، فإن اعتماد العقوبات البديلة لن يخفف فقط من
الاكتظاظ، بل سيساهم أيضا في توفير موارد مالية يمكن استثمارها في مشاريع اجتماعية
وتنموية تخدم المجتمع ككل.
سؤال: ما أبرز التحديات التي قد تعيق تنزيل هذه التجربة على أرض الواقع؟
بندياب: هناك عدة تحديات. أهمها ضعف آليات المراقبة والتتبع، وقلة الموارد
البشرية المتخصصة مثل المساعدين الاجتماعيين والمراقبين، إضافة إلى نقص البرامج
الموجهة للتأهيل والإدماج. كما يظل الوعي المجتمعي عائقا، لأن جزءا من الناس
يربطون العقوبة حصرا بالسجن، ويعتبرون البدائل تساهلا أو إفلاتا من العقاب.
سؤال: في هذه الحالة، كيف يمكن ضمان نجاح هذا الورش الإصلاحي؟
بندياب: النجاح يتطلب تنسيقا مؤسساتيا واسعا ، وخاصة على مستوى قضاة
تطبيق العقوبات، الذين لهم دور محوري في التتبع، والنيابة العامة مسؤولة عن
مراقبة التنفيذ. والمؤسسات الأمنية أيضا مدعوة للمساهمة في حالات المراقبة
الإلكترونية. من جهة أخرى، ينبغي انخراط الوزارات المعنية مثل التشغيل والتربية
والتكوين في برامج الإدماج، مع إشراك الجمعيات والقطاع الخاص في استقبال المحكوم
عليهم ضمن أعمال ذات منفعة عامة أو فرص للتأهيل المهني.
سؤال: وماذا عن المخاوف من أن تفهم العقوبات البديلة كإفلات من العقاب؟
بندياب: هذا تصور خاطئ. العقوبات البديلة هي عقوبات ملزمة ذات آثار قانونية
واجتماعية، وليست تساهلا أو عفوا مجانيا. الفرق أنها تحقق نفس غايات الردع
والإصلاح لكن بأدوات أكثر نجاعة وإنسانية. أما الإفلات من العقاب فهو أن يرتكب شخص
جريمة ولا يحاسب عليها إطلاقا، وهذا أمر غير وارد في فلسفة هذا القانون.






