مغرب المواطنة مدير النشر: خالد الرحامني / E-mail: info@mouatana.com


للمشاركة:

تصدير العقول وفلذات الأكباد… نقص اقتصادي واجتماعي

تصدير العقول وفلذات الأكباد… نقص اقتصادي واجتماعي

فكرة وتحليل عبد الحكيم الناصف بوروايل

في مدينة مغربية جميلة، نشأت ابنتان تلقتا أفضل تعليم في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وحتى جزء من التعليم الجامعي في وطننا العزيز.
تلقتا تربية متوازنة وصائبة، وعاشتا حياة كريمة غير مترفة، لكنها كانت كافية وافية، مفعمة بالرضا والحب والاحترام.
وكان سرّ هذا التوازن أنهما عاشتا في أكناف عائلة أصيلة، جدّهما كان مقاومًا ومناضلًا، وفيًّا لدينه الإسلامي الحنيف، مخلصًا لوطنه، ومحبًّا لملكه، فكبرتا على القيم الوطنية والروح النضالية والإيمان العميق بالمسؤولية.

لكن بعد التعليم الجامعي الجزئي بالمغرب، جاء الاختيار لمتابعة التعليم التكميلي في إحدى الديار الأوروبية. هناك، أنهت الابنتان معًا مشوارهما الجامعي بتفوق ونجاح، والتحقتا بسوق العمل في شركات متعددة الجنسيات، حيث تميزتا بكفاءتهما وإخلاصهما، فكان عطاؤهما مشرفًا ومثمرًا في خدمة اقتصاد البلد المضيف… أكثر مما عاد نفعه على الوطن الأم.

أما الأبوين، فقد بقيا على صلة بابنتيهما الغاليتين عبر واتساب؛ أصوات تُسمع أحيانًا، وصور تُرى أحيانًا أخرى. اللقاءات الحضورية الجسدية لم تعد سهلة: مسافة طويلة، وصعوبات في التأشيرة، ومرارة الغربة، واختلاف في الثقافة.

ورغم كل هذه الصعوبات، فإن عزاء الأبوين كان كبيرًا: فابنتاهما مصدر فخر واعتزاز بمسارهما الدراسي والمهني والسلوكي. لقد مثّلت الكبرى لوالديها العين اليمنى، والصغرى العين اليسرى، فكان غيابهما في المهجر بمثابة غياب البصر عن أجمل صور الحياة. ومع ذلك، بقي القلب يرى بنور الأمل، والعقل يتشبث بحكمة الصبر، والنفس ترجو لقاءات قادمة.

ولم يكن هذا حال أسرة واحدة فقط، بل هو حال آلاف الأسر المغربية التي هاجر أبناؤها وبناتها، تاركين المكان والزمان إلى حين، ومفضلين التواصل عبر الوسائل الرقمية على ذلك التقارب الإنساني الحميمي الذي لا يعوض.

هكذا نجد أنفسنا أمام معادلة صعبة:

نقص اقتصادي يعاني منه الوطن حين تُهاجر عقول نيرة كان يُعوَّل عليها في البناء والتقدم، فإذا بها توظف خبرتها وكفاءتها في أسواق عمل أجنبية.

نقص اجتماعي تتكبده الأسرة حين تفقد الدفء اليومي لأبنائها وبناتها الذين استقروا في الخارج للحياة بشكل نهائي أو شبه نهائي.


ومع ذلك، يظل الأمل حاضرًا. فالعقول المهاجرة ليست منقطعة عن جذورها، وقلوبها تظل معلقة بأرض الوطن. عودتها ممكنة، أو على الأقل مساهمتها في خدمة بلادها من بعيد، بعلمها وخبرتها وتجربتها.

إنها رسالة إلى الوطن وصانعي قراره: أن يحوّلوا هذه الخسارة إلى استثمار وطني، وأن يجعلوا من تصدير العقول جسرًا للتنمية والتجديد، لا مجرد جرح مفتوح في ذاكرة الوطن والأسرة.

فالأمل قائم، والرجوع محتمل، والتلاقي المستمر من جديد فوق الأراضي المغربية الطيبة يبقى رهن الأقدار الممكنة والحظ السعيد.

تصدير العقول وفلذات الأكباد… نقص اقتصادي واجتماعي

 

مغرب المواطنة
للمشاركة: