مغرب المواطنة مدير النشر: خالد الرحامني / E-mail: info@mouatana.com
مغرب المواطنة2025-08-12 17:54:53
للمشاركة:

" الهَركاوي "...

" الهَركاوي "...


✍️ بقلم: خالد خالص

في كل حيّ، وفي كل إقامة، وفي كل إدارة، وفي كل قاعة انتظار…وفي كل شارع وفي كل مطعم...
لا بد أن تُصادف في يوم من الأيام ذاك الكائن الغريب الذي يذكّرك، رغم ناطحات السحاب، والقطار الفائق السرعة والطرق العصرية، والحدائق الجميلة، والسيارات الفاخرة أننا لم ندخل الى العالم الحضاري بعد…
أقدّمه لكم اليوم تحت اسم شعبي صادق مستنبط من الثقافة الشعبية المغربية: انه"الهَركاوي".
الهركاوي بالدارجة هو الشخص الهمجي في تصرفاته؛ يقال له جَلِف، سوقيّ التصرف بالعربية وبالأمازيغية "آمهيوض" و"le sauvageon" أو حتى "le plouc" بالفرنسية.
هو ليس ابن البادية بالضرورة،
بل هو بالتأكيد ابن سوء الفهم الحضاري.
يعيش في المدينة بلا جواز حضاري!

الهركاوي هو قليل التمدن وقليل الأدب ،
وأحيانًا هو من لا يحترم أصول التعامل والتربية،
أو الذي يميل إلى الفوضى والضجيج والتهريج دون مناسبة.
الهركاوي هو الذي ظن أن المدينة تعني :
– رفع الصوت أكثر،
– دفع الناس في الطوابير،
– رمي القمامة من نافذة السيارة،
– والحديث في الهاتف بصوت جهوري كأنه يقدم نشرة الأخبار!

الهركاوي اذا اعلن عن فتح البوفي ( le buffet) والمائدة
سيقوم مسرعا ليشنّ حربًا على كل ما هو قابل للمضغ.
يملأ طبقه حتى التخمة،
ثم يجلس للطاولة
ويعيد الكرة ثلاث مرات حتى يخيل لك بأنه كان يعاني من مجاعة لشهور
ثم يزداد غرورًا كلما نظر إلى "الفراغ في الصحون الأخرى"...
وإذا سقطت شوكته؟
بحث عنها تحت الطاولة كأنه فقد قطعة أثرية!

الهركاوي في الإقامة المشتركة/السانديك

هو من يرفض أداء مستحقات السنديك
أو يرفض أداء نفس المستحقات التي يؤديها من يسكن في الطابق الرابع لانه يسكن الطابق الأرضي ولا يستعمل المصعد.
هو من يحتكر نصف سطح العمارة لوحده
ويأخذ مكانين في المرآب بالقوة بالرغم من أن الرسم العقاري يفيد حقه في مكان واحد.

الهركاوي في الطريق

– يتجاوزك من اليمين.
– يركن سيارته فوق الرصيف.
– يفتح النافذة ليبصق أو ليرمي علبة "الياورت".
- لا يحترم الراجلين فوق ممرهم
بل ينظر إليهم وكأنهم هم الغرباء الجاهلين بالحضارة!
سائق من زمن الجاهلية... لكن خلف مقود عصري لسيارة كلفته ملايين الدراهيم
أما حينما يكون راجلا فإنه يتجاهل ممر الراجلين ويقطع الطريق من وسطها
الهركاوي لا يقرأ، لا يُنصت ، لا يُناقش .
شعاره الأثير: "عندي راسي!"
فهو يفهم في الطب، ويعرف في السياسة، ويفتي في الدين،
ولا يحتاج أبدًا إلى معلومة… فقط إلى جمهور يسمعه وهو "ينفث" عن رصيده المتجمد من الحكمة الغير متحضرة
هو من يتحدث لصاحبه أثناء عرض الفيلم داخل قاعة السينما أو من يأكل "الزريعة" خلال العرض..

الهركاوي والنظافة
يعتقد أن كنس باب بيته يغفر له أن يرمي الأزبال في الزقاق.
وأن رشّ الماء أمام الدار دليل على التحضّر، حتى لو كانت القاذورات تزحف نحو الجيران كقوة احتلال!
الهركاوي هو من يبصق في الطريق ويتبول على الجدران ويرمي بالعلك ارضا...

الهركاوي والمقهى
يجلس في أرخص مقهى 5 ساعات…
يطلب قهوة بـ 7 دراهم…
ويحتل 3 كراسي...
ثم يبدأ في "المغاننة":
هاد البلاد ما فيهاش نظام
الناس ما عندهاش وعي!
خصّنا نكونو بحال الميريكان
وهو لا يدري أنه لو كان الميريكان مثله... لعادت أميريكا إلى العصر الحجري!
الهركاوي ليس جغرافية… بل سلوكا.
ليس من أين يأتى، بل كيف يتصرف.
وقد يكون من قلب قلب المدينة، لكن عقليته لم تخرج بعد من خيمة جد الجدّ الأكبر.
هو لا يدري بعد بأن التحضّر ليس لباسًا أنيقًا،
ولا عنوانًا فاخرًا...
ولا سيارة بالملايين
ولا ساعة "ماركة"
بل احترام للآخر، للنظام، للفضاء المشترك، وللصمت أحيانًا.

منقول .

 

مغرب المواطنة
للمشاركة: