أزيد من 300 ألف شخص تتبعوا فقراته مهرجان عيساوة بمكناس يؤكد مكانته ضمن أبرز المواعيد الثقافية بالمغرب

أزيد من 300 ألف شخص تتبعوا فقراته مهرجان عيساوة بمكناس يؤكد مكانته ضمن أبرز المواعيد الثقافية بالمغرب

مكناس: عبد الصمد تاج الدين

اختتمت بمدينة مكناس مساء السبت فعاليات الدورة الخامسة من مهرجان عيساوة – مقامات وإيقاعات، التي امتدت من 23 إلى 26 يوليوز 2025، وسط أجواء احتفالية وروحانية مميزة، حيث استقبلت فضاءات العرض الأربعة الموزعة على مختلف مناطق المدينة، أكثر من 300 ألف زائر من مختلف جهات المغرب ومن الخارج، في تأكيد على الإشعاع المتزايد لهذه التظاهرة الثقافية والروحية التي أضحت محطة سنوية بارزة في المشهد الفني المغربي..

وانطلقت الدورة بموكب طقوسي احتفالي شارك فيه مقدمو ومعلمو الطوائف العيساوية من مختلف مدن المملكة ، وجاب الموكب أزقة مكناس في لحظة رمزية تعبر عن روح المهرجان وعمقه الروحي. وقد احتضنت منصة باب المنصور الدولية حفل الافتتاح، الذي جمع بين جمالية التراث العيساوي وأصوات الموسيقى المغربية المعاصرة، بمشاركة فنية راقية لكل من المقدم عبد العالي لمرابط، الركب الفيلالي، الفنانة شذى حسون، والفنان رضوان الأسمر، في توليفة موسيقية جسدت تلاقح الأصالة بالحداثة.

وخلال الأيام الثلاثة الموالية ، توالت العروض الفنية التي عرفت مشاركة أكثر من 12 فنانا بارزا و35 مقدما عيساويا يمثلون مختلف المدارس، مما أتاح للجمهور اكتشاف تنوع الأساليب والأنغام في هذا التراث الروحي العريق..

ومن أبرز لحظات هذه الدورة، تألق الفنان والمنشد إسماعيل بوجية، رئيس مجموعة الشمائل للمديح والسماع، الذي أبهرالحضور في اليوم الثالث بأداء صوفي عميق مزج بين الذكر والمديح والموشحات الأندلسية، في لحظة فنية نوعية وبأداء ثنائي مشترك لقصيدة "الفياشية" بين بوجية ونبيلة معن، جسدت البعد الجمالي والفكري للمدرسة الصوفية المتجددة، كما عكست حرص الفنان على الحفاظ على هذا الموروث وإبرازه بصيغة معاصرة دون الإخلال بجوهره..

وقد شارك في المهرجان نخبة من الفنانين المغاربة والعرب، من بينهم نعمان لحلو، فؤاد الزبادي، أمير علي، رامي عياش، نبيلة معن، حاتم عمور، منال بنشليخة، شذى حسون، رضوان الأسمر، وفرقة "أش كاين"، في عروض تميزت بالتنوع والانفتاح على الأذواق المختلفة، مما جعل من المهرجان تجربة فنية جماعية أثرت الجمهور وقربته من العمق الروحي والثقافي للمدينة.

ومواكبة للمهرجان، احتضنت قاعة مندوبية وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ندوة علمية رفيعة المستوى بعنوان #التصوف والقضاء في ظل إمارة المؤمنين#

وعرف المهرجان تنظيم مائدتين مستديرتين شارك فيهما أكاديميون ومقدمون عيساويون، تمت من خلالهما مناقشة أدوار الثقافة والتصوف كرافعتين لمواجهة تحديات العصر، خصوصًا قضايا الاندماج، والحفاظ على الهوية الهجرة،

، وانتقلت أجواء المهرجان من المنصة الدولية باب منصور ،إلى فضاءات متعددة من المدينة، انطلاقًا من زاوية ضريح الهادي بنعيسى إلى قاعة المحاضرات التابعة لوزارة الأوقاف، ومن سهريج السواني إلى لاكورا بوعماير وساحة نيم بالمدينة الجديدة، مما منح التظاهرة طابعا مجاليا واسعا، وحول مكناس إلى مسرح حي، ينبض بالفن والتجربة الروحية الأصيلة..

وتخللت أمسيات المهرجان، لحظات تكريمية خاصة بعدد من الرموز الفنية والروحية، في سياق حرص إدارة المهرجان على الاحتفاء بالتجارب التي ساهمت في صون التراث الصوفي المغربي..

وعلى هامش الحفل الختامي، أدلى الدكتور حاتم بن عبد الكريم، رئيس الجمعية والمدير التنفيذي للمهرجان، بتصريح خص به الصحراء المغربية، عبر فيه عن ارتياحه الكبيرلنجاح فعاليات الدورة الخامسة، مشيدا بتفاعل الجمهور وبمستوى الفرق الفنية المشاركة، ومؤكدا أن المهرجان رسخ مكانته ضمن المواعيد الثقافية الكبرى بالمملكة.

وأشار إلى أن دورة هذه السنة عرفت حضورا إعلاميا وازنا، بمشاركة أزيد من 200 صحفي ومصور يمثلون مؤسسات إعلامية من المغرب ومن دول أخرى مثل فرنسا، إسبانيا، تركيا والبرتغال، مما ساهم في تعزيز الإشعاع الإقليمي والدولي للمهرجان، وإبراز مكناس كوجهة ثقافية وروحية متفردة.

وفي سياق متصل، تطرق بن عبد الكريم إلى غياب الفنانة بلقيس عن البرنامج الفني، موضحا أن اعتذارها كان لأسباب خارجة عن إرادة الجهة المنظمة، ومؤكدا أن إدارة المهرجان تحترم التزامات الفنانين وتتفهم مثل هذه المستجدات الطارئة..

وبهذا النجاح الكبير، سواء على مستوى التنظيم أو الإقبال الجماهيري أو الجودة الفنية، يكون مهرجان عيساوة – مقامات وإيقاعات، مكانته كأحد أهم المواعيد الثقافية والروحية بالمغرب، ومؤكدا أن مكناس، بحمولتها التاريخية وعمقها الصوفي، ما تزال حاضرة، قوية ومضيئة في خارطة الثقافة الوطنية والدولية .