كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاح اليومين الدراسيين حول ” العقوبات البديلة”
كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاح اليومين الدراسيين حول ” العقوبات البديلة”
كلمة الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاح اليومين الدراسيين حول ” العقوبات البديلة”

* –
ألقى الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في افتتاح اليومين الدراسيين حول ” العقوبات البديلة” المنظمة من طرف رئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس أ وروبا
يوم07 ماي 2025 – الرباط كلمة بالمناسبة جاءت كالتالي :
حضرات السيدات والسادة المحترمين؛
لقد ظلت العقوبة على مدار الزمن محل نقاش المجتمعات. وقد تطور الغرض منها عبر الزمن ليصبح المراد منها في هذا العصر هو إصلاح سلوك المحكوم عليه، ليتلاءم مع السلوك العام للمجتمع. ولذلك فإن العقوبة السالبة للحرية، قد أضحت فرصة سانحة للمجتمع لإعادة تربية أفراده الجانحين. ولذلك اجتهدت الإنسانية خلال العقود السالفة، ولاسيما بعد الحرب الكونية الثانية، لأنسنة السجون وجعلها بمثابة مدارس لتقويم سلوك الأفراد الذين أخطأوا في حق مجتمعاتهم.
وإذا كانت السجون قد أفلحت إلى حد ما في الوفاء لهذه الفلسفة، فإن غلاء كلفتها، وازدياد إكراهاتها النفسية والاجتماعية والاقتصادية، أدى إلى ضعف نتائجها، بحيث أصبحت إكراهات الاكتظاظ، ونقص التأطير وارتفاع كلفة العيش، وتعقد شروط الحراسة والمراقبة، عوامل تحد من نجاح المؤسسات السجنية في تحقيق الغاية الإصلاحية المرجوة منها.
ولذلك انتقلت المجتمعات للبحث عن حلول أخرى لتجاوز إكراهات العقوبة السالبة للحرية، وها هو التشريع المغربي يلتحق بركب التشريعات الحديثة التي تبنت نظام العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية. ويتعلق الأمر بعقوبات تنفذ خارج الفضاءات السجنية المغلقة، أي في فضاء مفتوح، وفي أجواء تحافظ إلى حد كبير على النمط العادي للحياة للفرد المحكوم عليه. وقد أكدت الدراسات والمتابعة المستمرة للنتائج المحصل عليها من تطبيق العقوبات البديلة، أن النتائج المحصل عليها من هذه الأخيرة أجود من النتائج التي حققها تطبيق العقوبات الحبسية.
وقد تجلى ذلك في انخفاض نسبة العود إلى الإجرام بين الذين خضعوا لعقوبات بديلة، مقارنة مع الذين نفذوا عقوبات سالبة للحرية. كما تبين أن العقوبات الاجتماعية أكثر فائدة بالنسبة لبعض حالات الإجرام المرتبطة بقضايا الإدمان، حيث تبين بوضوح تَحرُّر نسب أكبر من الإدمان على المخدرات أو الكحول من بين الذين خضعوا لحلقات علاجية، مقارنة مع من طبقت في حقهم عقوبات سالبة للحرية.
كما أكدت الدراسات المقارنة أن العقوبات البديلة أقل كلفة للمجتمع من العقوبات السالبة للحرية. وقد تنقص الكلفة بالنسبة لبعض الحالات لغاية عشرة أضعاف. بل إن بعض العقوبات البديلة تكون مربحة للمجتمع، ولا تكلف دافعي الضرائب نفقات مثل الغرامة اليومية.
وإذا كانت التجربة المستخلصة من الأنظمة القضائية المقارنة التي جربت تطبيق العقوبات البديلة خلال العقود الأربعة الماضية، قد بينت أنه يمكن بواسطة هذه العقوبات، الحصول على نتائج أحسن وبتكاليف مالية أقل من الفوائد التي تحققها العقوبات السالبة للحرية، فإنه لا يسعنا اليوم إلا الانخراط التام في تطبيق المقتضيات القانونية الجديدة.
كما أنه إذا كانت السلطات العمومية قد نجحت في بلورة هذه الفلسفة العقابية الجديدة عن طريق المصادقة على القانون. وأن الحكومة قد عبرت عن استعدادها لوضع الامكانيات المناسبة رهن إشارة القضاء لتطبيق النص القانوني. فإن النظام القضائي يجب أن يكون مؤهلا لهذا التطبيق. ولذلك فإننا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية نحيي المبادرة التي تقوم بها رئاسة النيابة العامة بعقد هذه الندوة، بمشاركة مجلس أروبا. كما نحيي مختلف السلطات المشاركة فيها، ولاسيما وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، وهما شركاء السلطة القضائية الأساسيين في بلورة إرادة المشرع عن طريق إنجاح تطبيق النص القانوني المتعلق ببدائل العقوبات السالبة للحرية.
كما أن جهات إدارية أخرى ستكون فاعلة في تحقيق الفعالية المتوخاة في التطبيق، ذلك أن بعض العقوبات البديلة تحتاج لمشغلين وداعمين. ولذلك يؤمل من الإدارات والمؤسسات والقطاعات المخول لها القيام بدور في تطبيق هذا القانون أن تعمل على دعم هذه الفلسفة العقابية، التي تشكل اليوم ثورة حقيقية في السياسة العقابية ببلدنا، تتم بإرادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله، وبانخراط كامل لسلطات الدولة كلها، ولاسيما الدور الذي تقوم به الحكومة في هذه المرحلة، والمتوقع أن يستمر بعد دخول القانون حيز التطبيق.
وإذا كان دور السلطة القضائية في تنفيذ القانون الجديد سينطلق ابتداء من ثامن غشت القادم، فإن السلطة القضائية والقطاعات الحكومية المعنية مباشرة، وهي وزارة العدل والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، تعمل في المرحلة الحالية على تهيئ القضاة وأطر كتابة الضبط والأطر السجنية لحسن تطبيق القانون الجديد. ولذلك نرى أن نؤكد مرة أخرى لقضاة المملكة أن غاية المشرع من إحداث العقوبات البديلة تدعو إلى تخصيصها كبديل للعقوبات الحبسية. ولذلك فإنه لا فائدة تُرجى منها إذا تم الحكم بها على أشخاص لم يكونوا معرضين أصلاً لعقوبة سالبة للحرية.
وإذا كان القضاة مطالبون وفقاً لمنظور النص الجديد، بالحكم بهذه العقوبات كبديل لعقوبة الحبس التي يرون ضرورة الحكم بها، فإنَّهُم مطالبون كذلك بتطبيق العقوبة البديلة المناسبة لكل حالة، حتى تحقق الردع المتوخى منها.
كما أن نجاح تطبيق هذه العقوبات، يتطلب انخراط المجتمع في الموضوع عن طريق قبوله باستبدال العقوبات السالبة للحرية بالعقوبات البديلة المستحدثة. ففلسفة المشرع من سَنِّ هذه العقوبات ترمي إلى إحلالها محل عقوبة الحبس، التي يجب أن تُتْرَكَ للحالات التي لا تنفع فيها عقوبة بديلة.
وفي كل الأحوال، فإن تقييم التشريع الجديد يتطلب منح فترة من الزمن، تكون كافية بتجربة تطبيقه، واكتساب الخبرة اللازمة، وإجراء الدراسات الملائمة للإحاطة بمكامن القوة وجوانب الضعف في النص القانوني، وكذلك في كيفية تطبيقه. وهي مهمة سيكون المجلس الأعلى للسلطة القضائية من بين السلطات والجهات المعنية بتتبعها واستخلاص العبرة منها.
حضرات السيدات والسادة؛
إن النص القانوني قد صدر ليُطَبَّق. واللحظة اليوم هي لاستيعابه والتهيء لتطبيقه. وإني لأدعو السادة القضاة، وكافة شركائنا إلى مزيد من التعاون والتنسيق لنكون جاهزين يوم ثامن غشت لتطبيق القانون رقم 43.22
وختاماً أجدد الشكر لرئاسة النيابة العامة لأجل دعوتها لهذه الندوة وأشكر كافة القائمين عليها. كما أشكر السيد وزير العدل والسيد المندوب العام لإدارة السجون وإعادة الإدماج وكافة مساعديهما. وأرجو للقائنا هذا التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله..