مغرب المواطنة مدير النشر: خالد الرحامني / E-mail: info@mouatana.com
حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.
مغرب المواطنة2025-04-20 16:06:38
للمشاركة:

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

ذ محسن الأكرمين.

في قلعة الثقافة بمكناس المديرية الاقليمية ( المركز الثقافي محمد الفقيه المنوني)، تم مساء يوم (الجمعة 18 أبريل 2025) مناقشة وتوقيع كتاب " الحي المحمدي وجوه و أمكنة- محكيات وبُورْتريهات" للكاتب حسن نرايس، بحضور ثلة من المثقفين والفنانين ومن يعشق الثقافة.
تناول شق المناقشة الفنان والكاتب والمخرج إدريس الروخ، والفنان الممثل الصديق مكوار والكاتب محسن الأكرمين، وذلك بحضور عريس الجلسة الكاتب الإعلامي والناقد السينمائي حسن نرايس، ومن تقديم وتيسير صباح الهزاز، وهذا نص مداخلتي:

لم تكن عبارة (في ذاكرتي المثقوبة أحيانا/ ص65)، سوى وعي من المعرفة التي تستند بعمق علاقة الكاتب الأستاذ حسن نرايس بالذاكرة والمتخيل من خلال (استعادة الحقيقة الزمنية والمكانية الحاضرة والغائبة)، وذلك من خلال لملمة العالم المفكك (الحي المحمدي) في تلك الذاكرة المثقوبة بالوثوقية والمصداقية لتحكي لنا بامتياز عن زمن الإنسان وأمكنة مولاي الشريف، والكارينات التي تختلف في التسميات وتتوحد في التهميش والضياع، و الزنقة (10) وما أدراك إذا ما الحي المحمدي !!! ( فمن السهل أن يخرج أولاد الحي من الحي....ولكن من الصعب أن يخرج الحي من أولاد الحي ... / ص119).
بحق الاعترافِ، تتذوق حلاوة الكتابة (السهلة الممتنعة)، وأن تلج لصفحات كتاب" الحي المحمدي وجوه و أمكنة- محكيات وبُورْتريهات"، وفي نفس اللحظة التداولية لكلمات وحكي الكتاب، قد يعبث بك الكاتب، ويُلقي بك عنوة ضمن مشاعر الألم والوجع الذي كابده جيل ( سنوات الجمر والرصاص) بذات الحي، وبالوجه البشع للكاريانات المقابلة.
هي العلاقة الجدلية (البينية) بين الذاكرة الفردية، والسيرة الذاتية والجماعية لحي ومحيط اجتماعي عاش ولازال يعيش على أنفة العطاء والتفرد، وتناسل الحاجة إلى تأريخ تاريخ الحي المحمدي في كل مناحي العمل الثقافي والفني، حتى وإن أقر الكاتب أن كتابه ليس من جنس التأريخ ( سينما شريف (خُوخة) 61...وأجواء سينما السعادة (العينين التواقتين الى صور أخرى 67، والسياسي والاجتماعي (القبح داخل معتقل العار...مولاي الشريف...ص67).
إنه الحي المحمدي (بقعة شاسعة في المكان الفسيح، وذكريات بين القبح والجمال في الزمن والمكان الذي ولى... / ص9). الأستاذ حسن نرايس، كان طموحه الركيز من الحكي المباح الخاص بالحي المحمدي: (حتى لا تتجمد وتفقد سحرها (ذاكرة حي )...إنها مكابدة مع الذاكرة ... والله إن هذه الحكاية لحكايتي.../ ص7) . فالكاتب لم ينخرط مع الكتابة متأخرا، بل له روافد حصينة وكثيرة لكتابات متنوعة، وقلم لا ينضب بالواقعية، ومخيال التذكر والنقد.
إن الأمكنة عند الأستاذ حسن نيراس، ليست مجرد فضاءات جامدة من البنايات تستوجب التذكر والبكاء، والوقوف عند أطلال الحبيب، وإنما بات الحي المحمدي بفضاءاته وتشعبات هوامشه، وقضايا ساكنته المتنوعة إلهاما للكتابة والإبداع، واستعادة التذكر الذي قد لا ينسينا جيلا ناضل من أجل الحياة لا الموت، وذلك بالسعي نحو ردم معتقل العار بالحي مولاي الشريف...
تجربة كتابة ذاتية ما أحوجنا إلى استنساخها في البحث عن تاريخ الأمكنة والأحداث المسكوت عنها بالضرورة والنسيان، رغم سياسة (المصالحة وجبر الضرر الوطنية)، أسماء وأمكنة (تَأَسْطرتْ حتى أضحت كما لو أنها حكايات خارجة من قمقم عثر عليه حسن نرايس في متلاشيات مهملة لم يعد أحد يعيرها أي انتباه، أو ربما على حائط مازال يحمل ندوب خربشات أطفال زمان/ بوجمعة أشفري/ ص5 ).
بحق، نحن جيل من مصوغات أحمد بوكماخ، جيل (بوغطاط ، عيروض... الرمح المسحور/ زوزو يصطاد السمك...أحمد والعفريت... ) جيل (الرأس المقطوع في لافوار... /ص5). جيل من الواقعية بمستملحات الخرافة والأسطورة الشعبية المتجذرة حينها.
نعم، الأستاذ حسن نيراس (أعاد إلى أذهاننا بعضا من تفاصيل الحي المحمدي... شغب الطفولة وشغب الوجوه... وشغب الأمكنة نفسها... حيث كان: (الإدمان على الحماقات والشغب ... كان واقعا وبنزق طفولي.../ ص6).
جيل ما بعد الاستقلال يستحضر لزوما ( أغاني سعيد المغربي/ من 56 ماشفنا والو...تكلموا على الخير... ما شفنا والو...) و(الفقيه وتلك الطقوس التي كانت تحمل علاقة التعلم بين الأب والفقيه السي اسعيد (أنت اقتل وأنا أسلخ....).
جيل (لم يكن بعض المعلمين يحدثنا إلا صافعا أو شاتما أو ضاربا بعصا أو "تييو" وبجمع أصابعنا خصوصا مع قساوة البرد ولا يشفع لنا في شيء صراخ ولا توسلات ولا هم يرحمون.../ ص 25) ‘ إنها قصة تربية أسرة ودولة !!!.
نعم قد تنمحي الأمكنة بالتحولات الاجتماعية والهندسة المعمارية، وربما تغيرت حتى وجوه الحي، لكن (تعدد تسمية الكارينات المقابلة للزنقة (10) لازالت عالقة بالذاكرة إلى حدود (كاريان لاحونا... لا خدمة لا طاحونة.../ ص128).
إنه الوجه الآخر البئيس (معتقل مولاي الشريف) الذي غاب بعضا منه ... لكن العودة المحمودة للأستاذ حسن بذاكرته الطرية الندية أعادتنا ( لزقاق حي يحمل في همومه أمة برمتها. بالاستنساخ الرتيب../ ص19).
كتب الأستاذ حسن نيراس عن تجارب عمرية يمتزج فيها النزق الطفولي... والوعي الشبابي الاجتماعي والسياسي.
في كتاب " الحي المحمدي وجوه و أمكنة- محكيات وبورتريهات"، يظهر الزمن المثقل بالأحزان والآهات، والذي يماثل أغاني (ناس الغيوان (مهمومة/ يا أهل الحال...)/ لمشاهب...).
يظهر زمن الانعتاق بالألم والموت في الكتاب، والثورة على المكان والأحذية السوداء، والتحرر من فكرة (ولد الكاريان يبقى ولد الكاريان...) !!! هنا نقول: بحق استطاع الكاتب أن يعاملنا برفق في نسج التلاقح بين الهويات المنفردة والمنغلقة ( بين الهوية العينية وبين الهوية المماثلة) (الخصاصي/ المكناسي/ المراكشي...) لأجل نسج هوية وذاكرة مشتركة جماعية، تحتفي بالإنسان والإنسانية، والفضاء الذي هو (خليط من الهويات المنفردة توحدت في هوية مشتركة بزنقة 10...).
ليكن استنتاجنا الأول، أن الأستاذ حسن نرايس في نهاية الكتاب، قد تحرر من عبء الماضي، واختلالات الحاضر، وبات يستشرف رؤية واضحة لإعادة الاعتبار للمستقبل بيقظة التحدي وسياسة التغيير (المغرب الجديد).
نعم حين كتب الكاتب فقد نسج علاقة بين (الذات الحاضرة والآخر الغائب)، دون أن يقع في سيرة ذاتية وصفية/ عمرية، بل باتت كتابه سيرة مكان، وإنسان حتى وإن لم يتم توصيفه في الصفحات، وإحياء لذكريات رفاق الحي بالقرب والمصاحبة، ولما لا معاودة البعث و (استعادة الذكريات... ولد المكناسية/ ولد المراكشية... وحين تنتهي الروابط البينية بالأم، تتم التسميات المهنية: ولد الخضار/ ولد النجار... ) ولا يوجد بين التسميات التي وردت بالكتاب: ولد الطبيب أو ولد المهندس !!!
بالنسبة للأستاذ حسن، فقد كان همه الركيز منذ بداية الكتاب تجنب اندثار الأحداث، وتلاشي المكان بفعل حضور زمن (التفاهة الرخو) الذي باتت يكتسح كل شيء نظيف في طريقه.
كان رؤية الكاتب تتسم بالموضوعية المتناهية، من خلال العمل على مبدأ التطور ضمن البنيات المكانية والزمانية للحي تحضر المدرسة (مدرسة مولاي الشريف/ مدرسة ابن بسام/ ص23) و (طفلة تتعارك مع الحذاء للمشي..." وهذا ما جعلني أتذكر المرحوم إبراهيم بوعلو فصل (الحداء الجديد) في قصة السقف.
نستمتع بمشاهد حرب المواجهات بين (أبناء درب مولاي الشريف وأبناء الكاريان "أصحاب الفوق" ص25). نسترجع مع الكاتب عصبية المكان، وبمواجهة التحدي (تعلمنا شيئا فشيئا ذلك النقاش الساخن المفعم بالجدية والاختلاف... ص116)... نستعيد ذكريات (الجلبة والبومادا الصفراء (درتي لبزاق ولا مازال.../ ص27) . هي ذكريات من حياة مضت، لكن الرجل يسحبنا برفق من التغيير( باعتباره شيئا يقع على شيء لا يتغير (حسن هو حسن ابن الحي المحمدي) إنه الثبات الحقيقي للأصل والأعراف والروافد والهوية المشتركة.
هو كتاب (مؤرخ "التطوع" وضع اليد على التنوع التاريخي لأحداث الحي المحمدي و(سنوات الجمر والرصاص.../ ص 116). كتاب جمع بين الذاكرة المشتركة للحي، والخاصة منها بالأفراد على اعتبار الحي بنية متكاملة (لماذا تختارون بقعة مظلمة في ركن دربنا لتعذيب الناس تحت الأرض وتشويه سمعة دربنا البسيط.../ ص63).
كتاب نجح من خلاله الأستاذ حسن في (خلق التبادل المريح بين أحداث التاريخ المتشنج و(الظاهرة الغيوانية ... / ص83) والحي المحمدي، فقد (كانت الحركة الغيوانية حركة ثقافية فنية تراثية وحديثة.../ ص85 ).
حين كنت أعاود قراءة كتاب الأستاذ حسن نيراس، كنت شغوفا بحسن السرد التاريخي والوصفي للمكان، وزمن الحي المحمدي. كنت وأنا أقلب صفحاته أبحث عن مواقف الكاتب من هذه الأحداث. وهي الحقيقة الاستعراضية الثانية، فقد وجدت أن الرجل يبحث عن زمنية للحي المحمدي تصنعها الذوات المتعدد لا المنفردة ( بمنح الحياة انسجاما مع... واقعها/ د سعيد بنكراد). وقفت على أن الكاتب يطمح إلى استعادة ما غيبه الدهر الزمني المتهالك أو تاريخ الفقراء (الهباشة الصغار في الدروب الميسورة "روش نوار".../ص 35). وجدت أنها عمليات استعادة محكي الذاكرة ضمن تسلسل الوقائع وتنويعات المقاومة والنضال لأجل التغيير، وتحصيل كرامة العيش والعدالة الاجتماعية، وهي تراتبيات زمنية يمكن أن يتهددها النسيان ويسلبها قيمتها العلمية والمصداقية والوثوقية،، حينها قد يبقى اسم (كاريان لاحونا... لا طاحونة لا خدمة ...) من المسكوت عنه إلى نهاية الوجود. وجدت أن الكاتب كان طموحه أسمى من خلال العمل على إعادة بناء ماض قابل للتعقل والفرك النقدي، وقراءة الأحداث بموضوعية، وبدون أحكام قيمة مرجعية ( مرجعية كتاب هيدغر ضد هيجل: التراث والاختلاف لعبد السلام بن عبد العالي).
قد أعتبر أن كتاب " الحي المحمدي وجوه و أمكنة- محكيات وبورتريهات" رواية حياة الحي المحمدي (يفسر اللاحق بالسابق، ويُسقط السابق على اللاحق من خلال إحالات ضمنية منتشرة في جميع الاتجاهات... وفصول الكتاب).
إنها حكايات آتية من (الصوت الداخلي) للكاتب باعتباره ابن المكان وعايش جيلا بكامله بالمصاحبة والمداومة، ولما لا كل ما كان يدور بالحي من أنشطة وقضايا (الطاس ( الاتحاد البيضاوي... العربي الزاولي.../ ص 77) و (الصينية... عاون الفرقة.../ ص69) ... تلك يا ناس حقائق يؤكدها تاريخ (مغرب متعدد الألوان والثقافات والطقوس والعادات... / ص 127)، رغم متنوع من التحريف الذي قد أصابه تمفصلاته الكلية (التاريخ المسكوت عنه !!!).
من صدق الملاحظة الثالثة، غياب التماهي بين (النحن) و(الأنا) و(الآخر) عند الكاتب، لأن التجربة مصدرها الماضي بتأمل الحاضر والمستقبل...( حقيقة الوقائع" حتى الحاضر يترك لنا ماضيا")، وأحداث تحكمها خطوط زمنية كرونولوجية ترتبط بين البدايات والمآلات.
حين انتهيت من قراءة الكتاب، أحسست بوظيفة الاستشفائية لسرد الكاتب، أحسست أن الأستاذ حسن دفع بي إلى استعاد ذكرياتي (ومن التأكيد أن من قرأ الكتاب بتمعن سيقط في هذا المنحى)، ذكرياتي الآتية من حي الزيتون بمدينة مكناس ( فصورة حجرة الدرس في عين الطفل ليست هي ذاتها في تصور الراشد الذي يستعيد تفاصيلها/ د سعيد بنكراد)... في مدرستي الحلوة الجبارة) هكذا تذوقت حلاوة الكتاب بين مسقط رأسي المكناسي والحي المحمدي البيضاوي.
إنه بحق كتاب يُحدثكم (في الوقائع ذاتها عمَّا يُحقق التوازن بين عوالم “الأنا” المحدودة في الزمن، وبين الزمن التاريخي الممتد إلى ما لا نهاية.../ د سعيد بنكراد). كتاب يشابه البورتريه الفوتوغرافي، والذي استعاد بموضوعية وحيادية الصورة (بلا ملونات منفرة/ ولا فوطو شوب !!!) إنه النقل الحقيقي الأصلي للحياة والموت بالحي المحمدي مع توابل ومستملحات من الكاتب، ورغم هذا فقد (تعد كل "استعادة"، "تهذيبا" للوقائع من خلال فعل الحكي للأحداث والوقائع) د سعيد بنكراد.
فقد كان السرد الوصفي الأنيق في الكتاب، هي المكبرة التي من خلالها قد رمقنا مخزونات ذاكرة الكاتب. فقد تعامل مع الزمن بتصريف حر وتغدية راجعة، وحتى حين يدعي التزامه بإكراهات تاريخ الشخص وتاريخ محيطه، (رمونا بثانوية المستقبل 35 دقيقة للوصول اليها.../ص45).
كتاب أعاد تكوين الذاكرة الفردية والجماعية انطلاقا مما يسميه بول ريكور: (النسيان الاحتياطي، الذي يمتلك مشروع قوة الوجود اللاواعية المكونة من التذكر والبصمات الحية).
كتاب (كان يرتب الحاضر دون أن يطوي صفحات الماضي لترميم نذوب الروح....والوصول إلى المستقبل بأمان وبعنوان الإشراق.../ ص159).
ضيق أزقة الحي والتي لا يمكنها أن تتسع لكل الطموحات والأحلام المشروعة.../ ص130) هي من أفرغت الحي إطاراته (من عزيز رحال وفاطمة لهبيلة... إلى رشيد زكي ومحمد عاطر ومحمد ضهرا... واللائحة موثقة في فهرس الكتاب)، لكن خير الختم قول مليح: (وإن نحن غادرنا الحي المحمدي جسديا فالحي لن يغادرنا وسيظل موشوما في العقل والقلب والوجدان والذاكرة.../ ص 129....) .
أخيرا أود أن أمد شكري الموصول لكل من حضر هذا العرس الثقافي بحفظ الصفات والألقاب والمهام...أمد بشكري لأعضاء ورئاسة (للجمعية المغربية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية)...أمد شكري لانفتاح المديرية الاقليمية (للثقافة بمكناس) على الفعل الثقافي والفني بالمدينة... أمد شكري لكل المنظمين والمشرفين على هذا اللقاء الثقافي التلاقحي بامتياز الحضور والنقاشات...

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

حسن نرايس... ذاكرة من الزمن والمكان.

 

مغرب المواطنة
للمشاركة: