القصة الكاملة لـ"الموريش"..."المغاربة" السود الذين يستوطنون الولايات المتحدة الأمريكية
القصة الكاملة لـ"الموريش"..."المغاربة" السود الذين يستوطنون الولايات المتحدة الأمريكية
إعداد: وليد التجوهي
إطفاء أنوار البيت الأبيض، حدث فريد في تاريخ الولايات المتحدة المعاصر، فمنذ مقتل " جورج فلويد"، المواطن الأميريكو-إفريقي، والمصائب تأتي تباعا على النظام الأمريكي الحاكم، فخروج بني جلدة القتيل التظاهر والاعمال التخريبية المصاحبة للحدث، تعيد مسألة أزمة العنصرية بأمريكا للواجهة من جديد، لكن على العموم فالولايات المتحدة لها ماض حافل في مجال قمع حقوق الاقليات وإستغلالهم. من جهة أخرى فقد تابع المغاربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي تطور الأحداث في بلاد العم سام عن كثب، ومما أثار نقاشا واسعا على شبكات التواصل فيديو يوثق لشخص أسود البشرة، يلتحف علم المغرب وسط جموع المتظاهرين، ليتجدد الحديث والنقاش من جديد حول طائفة الموريش الأمريكية ورموزها المغربية الاسلامية، حيث تعددت الروايات والقصص الفاقدة لمنهج عقلي نقدي، بين من يعتبرهم من السكان الاصليين وبين أخرين يعتبرونهم حفدة لمصطفى الازموري ( الأسير المغربي)، وجل الروايات تعتبرهم سابقين للوجود الاوروبي بتلك الاراضي، لكن المؤكد في الامر أن الفرضيات مجتمعة لا تستند على اي شاهد نصي او اثري، فهي لاتعدو ان تكون روايات شفهية متناثرة، تنسب الطائفة لمؤسسها " نوبل درو علي"، المزداد سنة 1886م، كأمريكي ذو اصول افريقية... والذي اعتبر نبيا للطائفة بعد تأسيسه " المحفل العلمي لمغاربية امريكا" سنة 1913م، بولاية نيوجيرسي الامريكية، حيث يستند على كرامة تأسيسية مفادها ان وحيا نزل عليه وهو في أرض مصر، في اطار إحدى جولات سيرك كان يشتغل به وهو ابن السادسة عشرة، ليستطيع المحفل الذي أخذ طابع الزاوية أن يستقطب أكثر من 30 ألف مواطن أميريكو-افريقي في فترة وجيزة (1928م)، متفرقين عبر عدة ولايات وفروع.
وضع نبي الموريش لأتباعه كتابا مقدسا سماه ( قرأن الدائرة 7)، تتمازج فيه أيات القرأن بأخرى من الإنجيل وتعاليم بوذية، يتكون من فاتحة وثمانية وعشرون فصلا، خصص أولها لبداية الخلق وسقوط الإنسان، اما اخرها فيحدثهم عن نهاية الزمان وتحقيق النبوءات، كما إعدى " نوبل درو علي" حيازته لأجزاء سرية من القرأن خصه الله بها، بوصفه رسولا بعث في السود ومصدقا بما قبله من الرسل والانبياء، كما عمل على ارساء شريعة خاصة ترتكز على خمسة أركان على غرار الاسلام، ( الحب - الحقيقة - السلام - الحرية والعدالة )، كما جعل من مدينة شيكاغو محجا لأتباعه، وإتخذ بعض الرموز كمقدسات منها العلم المغربي والطربوش الذي أطلقوا عليه اسم " فاس " هدا بالنسبة للرجال، اما النساء فلهن حجاب خاص يتمثل في عمامة رأس سوداء او خضراء اللون عوض الحجاب التقليدي، وازياء فضفاضة تخفي تفاصيل الاجساد. أرسى درو علي لخطبة الجمعة داخل المعابد المتفرقة في أرجاء الولايات المتحدة، معابد بمعمار أقرب مايكون الى المساجد.
يدافع نبي السود وأتباعه عن إعتقادهم بأصولهم المغربية، بحجة أن الأراضي الأمريكية كانت تابعتا لسلطة السلطان المغربي، لكن الأوروبيين عملوا على إستأجارها منه بعقد ساري لمدة 50 سنة من أجل إستغلالها فلاحيا، لكنهم نقضوا العقد مع السلطان بعد إنقضاء الأجل المحدد وإحتلوا بذالك الأراضي كاملة. كان هذا من الأسباب التي خلقت صداما بين المؤسس الروحي والحكومة الأمريكية، فبلغ هذا الصدام مداه خلال 1929م، حيث إستدعت الحكومة الأمريكية " درو علي" قصد إستجوابه ليتم الافراج عنه بعد ذالك الا انه لم يلبث بعد ذالك الا قليلا، توفي في 20 يوليو من ذات السنة، ليتحول بذالك هذا التاريخ الى ذكرى سنوية لدى الطائفة الى جانب ذكرى أخرى وهي 15 يناير التي تعتبر رأس السنة الموريشتي، الذي يوافق الى حد ما رأس السنة الأمازيغية.
تتعدد إعتقادات أفراد الطائفة في أصولهم بين من يعتبر نفسه حفيدا لعبيد أفارقة أقتيدوا من أراضي جنوب نهر السنغال التابع للإمبراطورية المغربية خلال مراحل تاريخية معينة، ومن يعتبر نفسه ( موريسكي - مغربي - امريكي)! إمتنع أفراد الطائفة عن المشاركة في الحرب العالمية الاولى ألى جانب الولايات المتحدة، معتبرين أنفسهم منفصلين عنها، حيث تحتم شروط العضوية في المحفل على كل فرد أن يطالب بجنسيته الرمزية كمغربي متخليا بذالك عن تاريخه الموسوم بالعبودية وطمس الهوية، كما يتم إمداد كل فرد بعد قبول عضويتة ببطاقة تعريف وجواز سفر (غير رسمية) تثبت أصوله المغربية، مع تغيير في الأسماء بإظافة (ال) التعريف او (باي)، والإبتعاد عن الأسماء ذات الأصول الاتينية.
قليلة الى منعدمة هي الدراسات التي تناولت مسألة أقلية الموريش وجذورها، فجل الأبحاث حول الحضارات الأصلية للأراضي (المكتشفة)، تتناول فقط شذرات حول الهنود الحمر وشعوب المايا/الازتك/الإنكا... والسبب وراء ذالك واضح نسبيا، بحيث يعزى لقلة المصادر والوثائق وكذا الشواهد الاثرية، فروايات الموريش الشفهية نفسها يكتنفها كثير من الغموض والتضارب وعدم الموضوعية. فبالرجوع الى المصادر المغربية الأولى التى حدثتنا عن الأراضي المجهولة، نجد خرائط الجغرافي الشريف الإدريسي (ت1160م)، التي تعود الى الزمن المرابطي، والتي أورد فيها أراضي كبيرة غرب المحيط الأطلنتي لكن من دون معطيات موثوقة عن أهلها أو اي علاقات معهم. وبالرجوع إلى إدعائات الوريش، بإعتبارهم حفدة الأزموري ( العبد الذي قادته الصدف الى العالم الجديد زمن الإكتشافات الجغرافية..)، فالروايات حول الشخصية ذاتها تشوبها عديد الشكوك، على إعتبار أن سفن الملكين الكاثوليكيين الإستكشافية، كانت تحرم على غير المسيحي في مراحلها الأولى، فحتى إذا إفترضنا إمكانية تعميده، فمصطفى الأزموري نفسه قد ولد سنة 1500م، اي زمن مابعد وصول كولومبوس الى العالم الجديد، هذا الى جانب أن المصدر الوحيد الذي تحدث حول رحلة ( أندريس دورانتس) التي إنخرط فيها الازموري، هو( Cabeza de Vaca)، حيث انه اورد قتل الأزموري من طرف القبائل الأصلية المستوطنة حوالي 1545م. أما مسألة وجود عقد إستغلال للأراضي بين الأوربيين والمغاربة فلا وجود لوثائق حوله أو دلائل منطقية، بل حتى العلم المغربي المعتمد كرمز مقدس لدى الطائفة وشاهد على أصولها وعمقها التاريخي، يرجع إعتماده اصلا من طرف المغرب كعلم رسمي الى سنة 1915م، أي سنتان بعد تأسيس المعبد ومدة طويلة على بداية الحركة المورريشتية!
أما الرواية الغائبة أو المسكوت عنها من طرف الموريش، والتي تدحض بصفة مباشرة أدعائاتهم، فتعود الى سنة 1777م، إتفاقية صداقة بين سلطان المغرب "محمد الثالث" والولايات الثلاث عشرة الامريكية، حيث يعترف بها كدولة مستقلة وذات سيادة، ويسمح لها بولوج الموانئ المغربية... ومن بين بنود المعاهدة معاملة رعايا السلطان المغربي في الأراضي الأمريكية كمواطنين أمريكيين لهم كامل الحقوق... سنة 1790م سيتم إختطاف مجموعة من رعايا السلطان ذوي السحنة السوداء من طرف البرتغاليين حيث تم إعتبارهم كعبيد وبيعهم في ولاية كارولينا الجنوبية، ليكون رد فعل الرعايا المغاربة أن توجهوا بطلب إلى برلمان الولاية، مفاده أنهم مغاربة رعايا محمد الثالث ويطالبون بتحريرهم، ليتم الإعتماد على معاهدة 1777م وتحرير جل المغاربة المعتبرين كعبيد ومنحهم حقوقا تتساوى والمواطن الأمريكي.
وجد مجموعة من العبيد الأفارقة في هذا الحدث مدخلا وحيدا يمكنهم من الانعتاق، فكثر المدعون مغربيتهم جيل بعد جيل إلى أن ترسخت الفكرة في نفوس أحفادهم، وأصبحوا يبحثون لها عن مبررات ولو كانت واهية أو غير منطقية في بعض الأحيان. وفي هذا السياق يأسس المعبد الموريشتي من طرف "درو علي"، نبي السود المزداد هو الإخر بولاية كارولينا الجنوبية التي إحتضن برلمانها أحداث تحرير الرعايا المغاربة. جذير بالذكر أيضا أن هذه الظاهرة كانت قد إعتبرتها الأنثربولوجية الفرنسية( pauline guedj)، راجعة لأزمة هوية وثقافة، كان قد تعرض لها السود الأمريكيون بدايات القرن 20م، مظيفتا أن عمل " درو علي" هو الأخر لايخرج عن هذا السياق
مغرب المواطنة